العلاقات بين ضفتي الصحراء الكبرى في الفترة القديمة

المحاضرة رقم1:  العلاقات بين ضفتي الصحراء الكبرى في الفترة القديمة

لا تزال قضية التجارة العابرة للصحراء الكبرى في التاريخ القديم من المشكلات البحثية التي لم يحسم الدرس التاريخي في تفاصيلها، وهي تستند إلى تخمينات ومقاربات وتأويلات في استنطاق النصوص المصدرية وقراءة الشواهد الأثرية، وكلما نزلنا في السلم الزمني زادت هذه القضية غموضا لذلك فإن ما نقدمه هنا إنما يتسم على محاولة تقديم وجهة نظر نسبية لا تنتهي بالحسم بقدر ما تعرض النقاش التاريخي أمام القارئ من أجل تلمس طبيعة الاستدلالات والرؤى التي يطرحها المختصون

المحاضرة رقم: 1، العلاقات بين ضفتي الصحراء الكبرى في الفترة القديمة


1.التجارة العابرة للصحراء في النصوص القديمة

تمثل نصوص هيرودوت أقدم ما تم الاستناد إليه لأجل إثبات وجود علاقات بين شمال إفريقيا والمجالات الواقعة خلف الصحراء الكبرى، ولكن هذه النصوص ليست واضحة الدلالة بسبب صعوبة تحديد الأماكن المشار إليها، وإدراك المقصود الدقيق بالمجموعات السكانية المذكورة سواء من الليبيين أو السودانيون، وأهم هذه النصوص هي

النص الأول:

"انطلاقا من أوجيلة,Augi la وعلى مسافة عشرة أيام أخرى  پسکن هنا قوم سمی الفرامليون الفرامان /Graffiliafiles وهم شعب كثير العدد .. يطارد هؤلاء الفرامنهون على عرباتهم ذات الخيول الأربعة الإثيوبيين الثرو هلیديث إسكان الكهوف الذين يتميزون بالجري السريع لا يضاههم في ذلك أي من الأقوام المعروفة، ويقتات الإثيوبيون الأفاعي والسحالي وغيرها من الزواحف".

النص الثاني:

هذا ما يقوله القرطاجيون أيضا: يوجد خارج أعمدة هرقل منطقة في لهبها، يعيش فيها سكان يأتي إليهم القرطاجيون ويفرغون بضائعهم على شاطئ البحر، ثم يعودون إلى سفنهم ويوقدون نارا ذات دخان الأخبار السكان الأصليين، وعندما يشاهد هؤلاء الدخان يقتربون من الشاطي ويضعون بجانب السلع القرطاجية ذهبا مقابل اليمانع لم ينسحبون بعيدا عنها، ينزل القرطاجهون من جديده من سفنهم إلى الشاطئ ويتأملون الذهب، فإذا ظهر لهم أن كمية الذهب توافق قيمة البضاعة يأخذونه ويعودون من حيث أتوا، وإذا ظهر لهم العكس يعودون إلى سفنهم ثم ينتظرون، فيعود السكان الأصليون ويضيفون الذهب إلى أن يقنع القرطاجيون، طيلة هذه العملية لا يخدع أي فريق الآخر، فالقرطاجيون لا يأخذون الذهب إلا بعد أن يوافق قيمة بضائعهم، كما أن السكان الأصليين لا يمسون البضائع إلا بعد أن يأخذ القرطاجيون ذهبهم

يضاف إلى هذين التحصين نصوص أخرى أقل أهمية، يتعلق أحدها برحلة قام بها بعض شباب الناسمونيين الذين يستوطنون سواحل خليج سرت والمناطق المحاذية لها شرقا وبلغوا إلى الكونغو أو نهر النيجر أو تلبكت حسب التخمينات المختلفة في قراءة النص والأوصاف الطبيعية للأمكنة التي بلغوها.

والسكان الأقزام الذين شاهدوهم"، ويضاف إلى ذلك النصوص التي تؤكد على امتلاك الليبيين في هذه المرحلة للعربات التي تجرها الخيول، وهي الفكرة التي تم توظيفها في القول بعبور الصحراء من خلالها

لقد تم الانطلاق من النص الأول في القول بوجود طريق صحراوي سالك في الجهة الشرقية من الصحراء يربط بين شمال إفريقيا وغربها، حيث كان الشعب الفرامانت الليبي دور في إقامة علاقات اقتصادية مع السودانيين، كما ساهم في تجارة العبيد من خلال اختطاف بعض أصناف السودان من سكان الكهوف، وأن مدينة أوجلة عاصمة الفرامائت كانت تدين بثرائها وأهميتها لهذا النوع من التجارة، وقد تم رسم مسار هذا الطريق المعارض بين حوض النيجر وليبيا مرورا بجبال الهقار ، واعتبر الفرامانت بمثابة سلف للطوارق اليوم، وبناة مملكة استمرت من الفرن 7 فيم إلى غاية الفتح الإسلامي، وأنها واجهت العديد من التحديات بسبب رغبة الرومان في وضع يدهم على المسالك الصحراوية

أما النص الثاني المتعلق بها سميا التجارة الصامتة فقد قدمت حوله العديد من القراءات، ولأنه يشير إلى تجارة الذهبية، ويتعامل فيه القرطاجيون مع أقوام جذ بدانیون وغرباء عنهم للحد الذي يخافون الالتقاء بهم فقد رجع سليفا غزال /sell). أن يكونوا من السودانيين القاطنين على سواحل الأطلسي، وهو الراي الذي لا يحظى بالقبول عند الكثيرين، حيث يري فرانسوا دیگريه / Decret,۴ أن هذه المعطيات القليلة لا تفي بالغرض كما أنها صعبة التفسير، بل إنه يؤكد أن القرطاجيين كانوا يتعمدون نشر قصص أسطورية للتغطية عن الأماكن الحقيقية التي يجلبون منها سلعهم

إن نصوص التجارة الصامتة ستتكرر في مصادر المرحلة الوسطية متعلقة بنفس السلعة النفيسية (الذهبي) في طريقة تحصيلها من منتجيا السودانيين، وقد كانت أغلب الدراسات تعتمدها وتصدق بوقوعها وتعد دراسة هاميلتون قريرسون/ P.J. Hamilton Grierson سنة 1903 أقدم عمل حاول البحث عن خلفيات تشكل هذا النوع من المبادلات، حيث زبطت بالحياة البدائية وحالة الخوف بين المجتمعات البشرية، وخاصة في المجتمعات غير المستقرة التي تمارس الصيد أو الرعي، وقد تم الانطلاق من صدقية الأخبار المتعلقة بها دون التشكيك فيها. أما ريمون موني R. Mauny فرغم صيغة التشكيك التي تعاطى بها مع الموضوع. إلا أنه يقترح أن الخوف قد يكون وراء هذه الممارسة

هذا التصديق بالتجارة الصامتة بدأ يتراجع لاحقا، حيث بدأت لار سوند ستروم lars Sundstrom سنة 1965 تشكك في مدي صيدلية الأخبار المتعلقة بهذا النوع من التبادل في المجتمعات الإفريقية القديمة والوسيلة"، وتابعها في ذلك هوبگار / AG. Hopkins الذي استند إليها في رفض روايات التجارة الصامتة. والتي رأى أنها لا تصمد أمام النقد بدل مواصلة تفكيك أخبار التجارة الصامتة لم ينل عمل سوند ستروم urdstron؟ حقه من الاهتمام حسب فارياس /farias"، وهو ما جعل بانبکار / M.Panikar

يعود لمحاولة تعلل أسبابها، معتبرا أن السبب المعقول الوحيد هو أن تجار الذهب السودانيين كانوا يرفضون الكشف عن مكان ثروتهم، وبالتالي فإن أفضل طريقة للحفاظ على هذا السر هو تجنب الأنصال المباشر بالتجار, أما جون بريس /j.a price متمنی عامل الخوف، وأضاف له مختلف التباينات الموجودة بين المجموعات البشرية في لون البشرة والشكل الخارجي من لباس وطريقة تسريح الشعر وغيرها من المظاهر، والتي تثير حسبة تفور السكان الأقل تطورا من التجار الذين يقصدونهم، وقد لاحظ فارياس أبكهfari في بحث عميق وثري جدا أن مختلف النصوص المتعلقة هذه الممارسة في لا أضعف من أن تثبت وجودا حقيقيا لها

2.دلالات الرسوم الصخرية

استند كثير من الباحثين على دلالات الرسوم الصخرية في القول بوجود نشاط تجاري مستمر بين الشمال الإفريقي وإفريقيا جنوب الصحراء في الفترة القديمة، حيث اعتبرت رسوم العربات التي تجرها الخيول بمثابة دلالة على وجود مسالك يتم من خلالها تبادل السلع وتسيير القوافل نموذج للرسوم الصخرية للخيل التي تجر العربات في الصحراء الكبرى لقد تم الربط بين نص هيرودوت السابق حول الفرامانت وبين رسوم الأهقار والتاسيلي لتأكيد وجود طريق في الصحراء الوسطى عبر فزان ينتهي إلى مدينة غاو أو إلى بحيرة تشاد حيث كانت مملكة الكانم، كما تم رسم مسالك السحاري الغربية من خلال تتبع هذه الصور المتناثرة التي قذر ريمون موني أنها كافية الترجيح وجود علاقات مع غرب إفريقيا، وغير الجمع بين مناطق العثور على الرسوم وطبيعة المنطقة الغربية فقد وضع مخططا محتملا لمساراتها ، بينما اعتبر عبد الله العروي هذه التأويلات متسمة بالجرأة المفرطة , وأن القراءات التي قدمت لها مع ربطها بتاريخ دخول الجمل والحصان إلى المنطقة إنما تنطلق من عدم أصالة هذه الحيوانات بالمنطقة، مرجحا أن التجارة العابرة للصحراء الم تنشط إلا في المرحلة الإسلامية"

في الفترة الرومانية تعثر على بعض الإشارات حول تجارة العبيد، إن كان العبيد السود إحدى السلع التي يستوردها الرومان من إفريقيا جنوب الصحراء، كما تدل على ذلك إحدى رسوم الفسيفساء في حمامات تيمقاد (صورة تمثل عبدا أسود يقوم بصيانة الموقد). كما تشير تعريفة زراري إلى العميد ضمن المواد السلعية التي يفرض عليها الرومان ضرائب، ولم پری عبد الله العروي في كل ذلك دليلا مؤكدا على

وجود نشاط تجاري لافت، بل إن اكتشاف عملات نقدية رومانية في جبل أدرار الموريتاني لا يعتبره كافيا لإثبات وجود هذه التجارة، التي يرى أنها لم تتحقق لها ممكناتها إلا مع وصول العرب إلى بلاد المغرب حاملين معهم تاريخا طويلا من استعمال الإبل في تجارة المسافات البعيدة

وفي نفس السياق يؤكد كلود كاين CCahen عدم وجود أي دليل على تجارة الذهبي في تاريخ المغرب القديم على العهدين القرطاجي والروماني، وإن كان ترك احتمال وجود تبادل تجاري ضمنيل بين المغاربة والسودانيين عبر الطريق الغربي بدأ قبيل وصول العرب، وانطلقوا منه في تطوير هذه التجارة لاحقا، وهو ذات الرأي الذي مال إليه جون دوفيس , lean Lewisse .

 

إرسال تعليق

0 تعليقات